بسم الله الرحمان الرحيم
السيدة Spiciose Hakizimana ممثلة اليونيسيف بالمملكة المغربية
السيد الأمين العام المحترم
السيد مدير الهيئة الوطنية للتقييم المحترم
السيدات و السادة الحضور
إنني سعيد بتواجدي بينكم اليوم بمناسبة افتتاح الندوة الدولية التي ينظمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)حول موضوع العنف في الوسط المدرسي ، هذا الموضوع الذي يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للتصور الذي نطمح إليه جميعاً من أجل بناء المدرسة الجديدة.
وأود في بداية هذا اللقاء أن أتقدم بالشكر الجزيل لضيوفنا وخاصة السيدة نجاة امجيد الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المكلفة بمناهضة العنف ضد الأطفال، و السيدة غزلان بنجلون نائبة رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل و بشكل خاص إلى أطفالي الأعزاء الحاضرون معنا، وإلى كل الجمعيات و الأساتذة و الباحثين المتواجدين معنا اليوم و المشاركون معنا عبر الاتصال السمعي البصري.
كما أود أن اغتنم هذه الفرصة للإشادة بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة unicef وممثليها وأطرها في المغرب على تعاونهم ودعمهم المستمر للمجلس، وأعرب لهم باسم المجلس عن كامل الشكر والامتنان لكل الجهود المبذولة للمساهمة في تنظيم وإنجاح أعمال هذا اللقاء.
حضرات السيدات والسادة
إن مصادقة المملكة المغربية على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1993 شكل لحظة تاريخية في مسار النهوض بأوضاع الطفولة على المستوى الدولي، حيث وقع عليها الملك الراحل الحسن الثاني طيب تالله ثراه شخصيا سنة 1989 بمدينة نيويورك، ومباشرة بعد ذلك تمت المصادقة على الإعلان العالمي من أجل الحفاظ على حياة الطفل ورعايته ، ومن بعدها انخراط بلادنا في هذا الورش تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس حفظه الله و صاحبة السمو الملكي الاميرة الجليلة للا مريم.
حضرات السيدات والسادة
إن بناء مستقبل المدرسة الجديدة رهين ببناء مستقبل الطفل وهو ما يعتبر من المقومات الأساسية لمشروعنا المجتمعي واستنادا لذلك، فإن المجلس، تبعا للمسؤولية الملقاة على عاتقه، يركز مجهوداته لمواكبة وتقييم السياسات العمومية ذات الصلة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، مع إيمان قوي بموضوع المدرسة و الطفل معا ، بهدف تعزيز مدرسة الجودة للجميع، على أساس المساواة وتكافؤ الفرص مع ضمان التنمية الفردية والاندماج الاجتماعي. وطبقاً لهذا التوجه، فإن المجلس يلتزم بالعمل، وفق اختصاصاته الاستشارية ومنهجيته التشاركية، على دعم وتعزيز كافة المبادرات التي تساهم في تحقيق هذه الأهداف بما يضمن على وجه الخصوص حق الولوج إلى التعليم، وتعميم التعليم ما قبل المدرسي وتوفير الشروط الضرورية لتحسين جاذبية المدرسة.
وإننا على يقين أن إصلاح نظام التعليم يتطلب التزامًا ثابتًا من جميع الفاعلين في هذا المجال، كما يتطلب مشاركة قوية من مختلف الأطراف في المجتمع، وأن انخراط المجلس في هذا الجهد الجماعي، كقوة اقتراحية هو أساسي للنهوض بهذا القطاع، وذلك من خلال تفعيل وظائف الرصد والتقييم والتحليل، المتعلقة بمختلف الإشكاليات الخاصة بالنظام التعليمي.
علاوة على ذلك، واعتباراً أن النظام التعليمي مقبل على تحولات كبرى في المستقبل تمليها التطورات المتسارعة في المعرفة والتكنولوجيات التي يتعين استشراف آثارها، فإن المجلس مدعو إلى القيام بدور التعبئة لجميع الفاعلين من أجل تنمية المدرسة الجديدة ومدعو كذلك إلى تفعيل الرافعتين الثامنة عشر و الواحدة و العشرون المنصوص عليهما في الرؤية الاستراتيجية من أجل مناهضة كل أشكال العنف ، وفي هذا الإطار تناول المجلس بشراكة مع اليونيسف موضوع العنف في الوسط المدرسي كظاهرة مقلقة تحول دون تحقيق الأهداف المرسومة لتحقيق المدرسة الجديدة كما نريدها جميعا ذات أثر مهلك على توازن مجتمعنا، خاصة داخل مدارسنا مما يؤثر بشكل مباشر على مستقبل أطفالنا.
وإننا اليوم نحاول فهم الظاهرة بشكل أفضل، وتقييم تأثيرها على جودة التعلم وعلى المناخ المدرسي من أجل وضع سياسات عمومية فعالة وقابلة للتنفيذ في هذا المجال. بهدف اعتماد منهجية التحليل المقارن، وتحديد الممارسات الجيدة والنماذج التعليمية التي تساعد على خلق مناخ مدرسي ملائم للتعلم، فمن المفترض في النظام التعليمي أن المدرسة توفر بنية آمنة للمعرفة والتعلم والتنمية الشخصية باعتبارها فضاء يجب أن يشعر فيه جميع الفرقاء، من التلاميذ والمعلمين والموظفين التربويين وأولياء الأمور، بالأمان والاحترام والدعم المتواصل. لكن الواقع غالباً ما يختلف عن هذه الصورة حيث أن الدراسة رصدت في المؤسسات التعليمية، في كثير من الأحيان، مظاهر مختلفة للعنف من ترهيب ومضايقة واعتداء وتحرش عبر الإنترنت، وتمييز وقد تصل حد الاستبعاد الاجتماعي التي تؤثر على بيئة التعلم وتضر بسلامة التلاميذ وراحتهم في الوسط المدرسي. ومن المهم التأكيد هنا على أن الأثر السلبي لأعمال العنف قد يتجاوز الضحايا المباشرين ليؤثر حتى على الأطفال الذين يشاهدون هذه الأفعال المشينة، مما يولد جواً من القلق الذي يؤثر لا محال على عملية التعلم، وعلى قدرتهم على التركيز في مسار التعلم، ونقص الثقة بالنفس، بل وقد يؤدي، في نهاية المطاف وفي الحالات القصوى، إلى ظاهرة الهدر المدرسي.
حضرات السيدات والسادة،
استنادا لما سبق، يتعين علينا الرصد الشامل للسلوك العنيف في الوسط المدرسي بجميع أشكاله، والقيام بتحليل الأسباب الرئيسية وراء هذا السلوك وذلك قصد استخلاص الدروس اللازمة لتعزيز ثقافة اللاعنف وخلق بيئات مدرسية آمنة توفر أسباب الرعاية والاحترام للجميع. وهذا ما ركزت عليه الدراسة التي أجرتها الهيئة الوطنية للتقييم بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بدعم من اليونيسف حيث كان هذا هو هدفها الأساسي.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها هذه الدراسة هو أن انتشار ظاهرة العنف في المدارس بالمغرب يقترب إجمالاً من البيانات المسجلة دوليا ويتحدد في مستويات مقلقة وذلك رغم الجهود المبذولة لاحتواء هذه الظاهرة. وتبين بعض المؤشرات الإجمالية المستخلصة من الدراسة مدى انتشار هذه الظاهرة في الوسط المدرسي بمختلف الأسلاك الدراسية. من بين هذه المؤشرات تلك المتعلقة بالعنف اللفظي حيث تفيد الدراسة أن التلاميذ الذين تعرضوا لهذا النوع من الإيذاء حسب تصريحاتهم يمثلون نسبة 16% في المستوى الابتدائي مقابل 23 % في المستوى الثانوي. وفيما يتعلق بالعنف الجسدي، تتراوح نسبة الطلاب الذين يبلغون عن هذا النوع من العنف من 15% في المتوسط في المرحلة الابتدائية إلى 13% في المتوسط في المرحلة الثانوية.
ومن المؤشرات الأساسية كذلك تلك التي تهم قياس مدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه العنف الذي يتعرض له التلاميذ في المدرسة على مسارهم الدراسي. وكمثال على ذلك، يجدر الذكر أن التقييمات التي تم إجراؤها كجزء من البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات PNEA لعام 2019، تبين أن النتائج المحصل عليها من طرف التلاميذ في المرحلة الابتدائية الذين تعرضوا لأعمال عنف تقل بـ 12 إلى 17 نقطة عن زملائهم الذين لم يتعرضوا لهذه الأفعال. وتؤكد المعطيات المحصل عليها بهذا الخصوص أن هذه الفجوة تكون أكبر على مستوى المرحلة الثانوية الإعدادية.
كما أبانت الدراسة أن أعمال العنف في المدارس يرتكبها التلاميذ فيما بينهم بشكل رئيسي بينما تأتي هيئة التدريس في الدرجة الثانية وذلك بنسب محدودة على العموم. كما اتضح من خلالها كذلك أن الموظفين الإداريين والأشخاص خارج المدرسة من ضمن المتسببين في أعمال العنف في البيئة المدرسية، ولكن بنسب أقل بكثير. وغالبًا ما يتخذ الإيذاء طابعًا جنسانيًا حيث تستهدف التلميذات على الخصوص في جزء كبير من أعمال العنف، سواء كانت لفظية، أو رمزية، أو جسدية، أو غير ذلك.
حضرات السيدات والسادة،
بغض النظر عن مجمل التحليلات والتقييمات التي يمكن القيام بها حول الأشكال المختلفة للظاهرة وانتشارها فإنها تبقى تحدياً حقيقياً للأداء السليم لمنظومة التربية بشكل عام ولفرص إدماج الفرد في محيطه ولتنمية المجتمع ككل مما يحتم على جميع الأطراف المعنية أن يولونها اهتماما خاصا، وذلك بهدف خلق مناخ تعليمي يوفر أجواء الطمأنينة للمتعلمين يتميز بالجودة والسلامة داخل المدرسة.
وفي هذا الإطار، أريد أن أتقدم إليكم ببعض الإجراءات التي نعتبرها في المجلس ضرورية، بل وقد تكون حاسمة في هذا المجال:
- أولا: دمج موضوع مكافحة العنف في المدارس كمحور أساسي في عملية إصلاح النظام التعليمي، وهو ما يتطلب الالتزام بالمعالجة المتبصرة والعميقة لأسباب الظاهرة وكل تجلياتها بهدف احتوائها في جميع المراحل والمستويات الدراسية، مما يتطلب بذل مجهودات خاصة تتوخى التحسيس و رفع مستوى الوعي بين جميع الفاعلين حول ضرورة حظر جميع أشكال العنف في المدارس.
ثانيا: الدعوة إلى وضع أنظمة المراقبة والضبط وتعزيز الإجراءات التأديبية والتأكد من تطبيقها بما يعزز مناخ الأمن والطمأنينة للمتعلمين. ولهذا الغرض، يجب التعامل مع العنف المدرسي من خلال إجراءات تأديبية ومراقبة أكثر ملاءمة للوقاية من التصرفات المشينة ومعالجة انتهاكات القوانين الجاري بها العمل في هذا المجال، وذلك بطريقة أكثر جدية وفعالية. وتحقيقا لهذه الغاية، يتبين أنه من الضروري إعادة تفعيل الأنظمة المؤسسة لمراقبة ورصد مختلف أشكال العنف في المدرسة والإبلاغ عنها. وينطبق الشيء نفسه على إنشاء قاعدة بيانات محددة ووضع مؤشرات مهمة لرصد الظاهرة ككل.
ثالثا: إنشاء آليات تنظيمية فعالة داخل كل مؤسسة لإلزام الجميع باحترام قواعد السلوك واعتماد مدونة وميثاق سلوك داخل كل مؤسسة.
حضرات السيدات والسادة،
في الختام أتمنى ان تكون نقاشاتنا معمقة ومفيدة تمكننا من استلهام أفضل السبل لمكافحة هذه الظاهرة خدمةً لمنظومتنا التربوية بمختلف مستوياتها، كما أتمنى لكم كل النجاح في أعمالكم وأشكركم مرةً أخرى على حضوركم بيننا.
والسلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته